8/25/2012

تجارب في الترجمة، من رواية (الخيميائي) لـلكاتب (باولو كويلهو) الشهير

مرحباً بكم في سلسلة تجارب في الترجمة.

أقوم ها هنا بترجمة بضعة الصفحات الأولى من كتاب أو قصة ما عن الإنجليزية، للتسلية فقط. ومن ثم إذا وجدت نسخة مترجمة لنفس المادّة، سأضعها هنا أيضا بغرض المقارنة.

نبدأ اليوم مع الخيميائي، لباولو كويلهو.

النص الأصلي:
PART ONE
The boy's name was Santiago. Dusk was falling as the boy arrived with his herd at an abandoned church. The roof had fallen in long ago, and an enormous sycamore had grown on the spot where the sacristy had once stood. 
He decided to spend the night there. He saw to it that all the sheep entered through the ruined gate, and then laid some planks across it to prevent the flock from wandering away during the night. There were no wolves in the region, but once an animal had strayed during the night, and the boy had had to spend the entire next day searching for it.
He swept the floor with his jacket and lay down, using the book he had just finished reading as a pillow. He told himself that he would have to start reading thicker books: they lasted longer, and made more comfortable pillows.
It was still dark when he awoke, and, looking up, he could see the stars through the half-destroyed roof. I wanted to sleep a little longer, he thought. He had had the same dream that night as a week ago, and once again he had awakened before it ended.
He arose and, taking up his crook, began to awaken the sheep that still slept. He had noticed that, as soon as he awoke, most of his animals also began to stir. It was as if some mysterious energy bound his life to that of the sheep, with whom he had spent the past two years, leading them through the countryside in search of food and water. "They are so used to me that they know my schedule," he muttered. Thinking about that for a moment, he realized that it could be the other way around: that it was he who had become accustomed to their schedule.
But there were certain of them who took a bit longer to awaken. The boy prodded them, one by one, with his crook, calling each by name. He had always believed that the sheep were able to understand what he said. So there were times when he read them parts of his books that had made an impression on him, or when he would tell them of the loneliness or the happiness of a shepherd in the fields. Sometimes he would comment to them on the things he had seen in the villages they passed.
But for the past few days he had spoken to them about only one thing: the girl, the daughter of a merchant who lived in the village they would reach in about four days. He had been to the village only once, the year before. The merchant was the proprietor of a dry goods shop, and he always demanded that the sheep be sheared in his presence, so that he would not be cheated. A friend had told the boy about the shop, and he had taken his sheep there.
***
"I need to sell some wool," the boy told the merchant.
The shop was busy, and the man asked the shepherd to wait until the afternoon. So the boy sat on the steps of the shop and took a book from his bag.
"I didn't know shepherds knew how to read," said a girl's voice behind him.
The girl was typical of the region of Andalusia, with flowing black hair, and eyes that vaguely recalled the Moorish conquerors.
"Well, usually I learn more from my sheep than from books," he answered. During the two hours that they talked, she told him she was the merchant's daughter, and spoke of life in the village, where each day was like all the others. The shepherd told her of the Andalusian countryside, and related the news from the other towns where he had stopped. It was a pleasant change from talking to his sheep.
"How did you learn to read?" the girl asked at one point.
"Like everybody learns," he said. "In school."
"Well, if you know how to read, why are you just a shepherd?"
The boy mumbled an answer that allowed him to avoid responding to her question. He was sure the girl would never understand. He went on telling stories about his travels, and her bright, Moorish eyes went wide with fear and surprise. As the time passed, the boy found himself wishing that the day would never end, that her father would stay busy and keep him waiting for three days. He recognized that he was feeling something he had never experienced before: the desire to live in one place forever. With the girl with the raven hair, his days would never be the same again.
But finally the merchant appeared, and asked the boy to shear four sheep. He paid for the wool and asked the shepherd to come back the following year.

الترجمة:
القسم الأول
كان اسم الصبي سانتياغو، وكان الظلام قد بدأ يخيم حين وصل مع قطيعه إلى الكنيسة المهجورة. كان سقف الكنيسة قد انهار منذ زمن طويل، ونمت شجرة دلب عملاقة في مكان غرفة الملابس. قرر الصبي أن يبات ليلته، فقام بإدخال الخراف من البوابة المكسورة ومن ثم حصَّن البوابة ببضع ألواح من الخشب حتّى لا تهرب أغنامه خلال الليل، وبالتالي يقضي الغد كله في ملاحقتها. كنس الغبار بمعطفه، ثم استلقى، وأراح رأسه على الكتاب الذي انتهى لتوه من قرائته. قال لنفسه أنه من الضروري أن يشرع في قراءة كتب أكثر سمكاً، فمن جهة هي تدوم وقتاً أطول، كما أنها أريح للعنق عند النوم.
عندما استيقظ كان الظلام لا يزال مخيماً، وكانت النجوم ظاهرة عبر ما تبقى من السقف. كنت أريد أن أنام وقتاً أطول، قال لنفسه. لقد رأى ذات الحلم الذي راوده منذ أسبوع، وأيضاً استيقظ قبل أن يرى النهاية. قام وحمل عصاه، وبدأ في إيقاظ الخراف التي لم تستيقظ بعد. كان قد لاحظ أنه بمجرد أن يستيقظ هو تبدأ أغلب الخراف في الاستيقاظ، وكأنما هناك صلة غامضة تربطها به، الخراف التي أمضى معها سنتين من عمره حتى الآن، يقودها إلى مواطن الماء والكلأ. "لقد اعتادت علي حتّى أصبحت تعرف مواعيد نومي واستيقاظي"، قال الصبي. ثم فكر في الأمر برهة، وأدرك أن ذلك قد يكون بالعكس: لعله هو الذي اعتاد على مواعيد الخراف؟
كانت هناك خراف تحتاج لوقت أكثر حتى تقوم. وخزها الصبي بعصاه، وناداها بأسمائها، واحدها تلو الآخر. لطالما أعتقد أنها تفهم ما يقول لها، ولذلك كان يقرأ لها أحياناً فقرات من الكتب التي تعجبه، أو يحدثها عن مشاعر الوحدة، أو الفرح، التي تنتاب الراعي في الحقول. أحياناً كان يخبرها برأيه في الأمور التي يشاهدونها في القرى على الطريق.
لكن في الأيام الماضية لم يكن يحدثها إلا عن أمر واحد: الفتاة، إبنة التاجر الذي يسكن في القرية التي سيصلون إليها في أربعة ايام. لم يكن قد زار تلك القرية إلا مرة واحدة، السنةَ الماضية. كان التاجر صاحب محل لبيع الصوف والأقمشة، وكان يشترط أن تُجزَّ الخراف أمامه حتّى يشتري صوفها، إتقاءً للغش. كان صديق قد أخبر الصبي عن هذا المحل، ومن ثم أخذ خرافه إليه.
***
"أريد أن أبيعك يعض الصوف"، قال الصبي للتاجر.
لكن المحل كان مزدحماً، فطلب الرجل من الراعي أن ينتظر إلى العصر، فجلس الراعي على عتبة المحل وأخرج كتاباً من جعبته.
"لم أكن أعرف أن رعاة الخراف يعرفون القراءة"، قال صوت فتاة من وراءه.
كانت ملامح الفتاة أندلسية، ككل سكان المنطقة، شعرها أسود منسدل، وعيناها تذكران المرء بالفاتحين العرب القدامى.
"صحيح. غالباً أتعلم من خرافي أكثر مما أتعلم من الكتب"، أجابها. وفي الساعتين التي قضاهما يتحدث إليها أخبرته أنها ابنة التاجر، وحكت له عن حياة القرية، التي تتشابه فيها جميع أيام السنة. أخبرها هو عن ريف الأندلس، وحكى لها أخبار البلدات التي مر بها. أحب الحديث إليها أكثر من الحديث إلى الخراف.
"كيف تعلمت القراءة؟" سألته الفتاة، فأجابها قائلاً "مثل كل شخص آخر، في المدرسة".
"لكن إذا كنت تعرف القراءة فلماذا أنت مجرد راع؟"
غمغم الصبي إجابة ما ليتهرب من سؤالها، لأنه كان واثقاً أنها لن تفهم أبداً. ثم عاد ليروي لها حكايا تجواله، فاتسعت عيناها العربيتان اللامعتان خوفاً ودهشة. مرَّ الوقت، ووجد الصبي نفسه يتمنى أن لا ينقضي اليوم، وأن يبقى أبوها مشغولاً، فيبقى هو يتكلم معها ولو لثلاثة أيام. أدرك أنه يشعر بشيء لم يشعر به من قبل: أنه يريد أن يبقى في مكان واحد إلى الأبد، ومع الفتاة ذات الشعر الفاحم، لن تكون أيامه متمائلة بعد اليوم.
لكن التاجر أتى في النهاية، وطلب إلى الصبي أن يجر خرافاً أربعة. دفع له ثمن الصوف، وطلب منه أن يأتي في العام القادم.
***
ترجمة منشورة (ترجمة: جواد صيداوي وروحي طعمة، نشر شركة المطبوعات للتوزيع والنشر):
:: الجزء الأول ::
كان يُدعى سنتياغو.
كان النهار يتلاشى عندما وصل بقطيعه أمام كنيسة قديمه مهجورة، سقفها قد انهار منذ زمن بعيد. وفي الموضع الذي كان يوجد فيه الموهف نمت شجرة جميز عملاقة.
قرر أن يقضي الليل في هذا المكان، أدخل نعاجه من الباب المحطم، ووضع بضع ألواح بطريقه بمنعها بها من الفرار أثناء الليل. لم يكن هناك ذئاب في تلك المنطقة، فذات مرة هربت دابة فكلفه ذلك إضاعة نهار بكامله في البحث عن النعجة الفارة.
مد معطفه على الأرض وتمدد، وجعل من كتابه الذي فرغ من قراءته وسادة.
قبل أن يغرف في النوم أكثر فكر بأن عليه قراءة كتب أكبر، وسيكرس لإنهائها وقتاً أكبر، وسوف يكون له منها وسادات أكثر راحة من أجل الليل.
عندما أفاق، كانت العتمة لاتزال قائمة، نظر إلى الأعلى فرأى النجوم تلمع، من خلال السقف الذي انهار نصفه.
فقال في نفسه:
- كنت أتمنى فعلاً لو نمت لوقتٍ أطول.
فقد رأي حلماً، إنه حلم الأسبوع الفائت، ومن جديد أفاق قبل نهايته. نهض وشرب جرعة من الخمر، ثم تناول عصاه، وأخذ بإيقاظ نعاجه التي كانت ما تزال راقدة، وقد لاحظ أن معظم البهائم تستعيد وعيها وتتخلص بسرعة من نعاسها ولمّا يسعد وعيه هو، وكأنما هناك قدرة غريبة قد ربطت حياته بحياة تلك الأغنام، والتي تطوف معه البلاد منذ عامين سعياً وراء الماء والكلأ.
- قد تعودت على فعلاً لدرجة أنها صارت تعرف مواقيتي ـ قال في نفسه بصوت منخفض، وبعد لحظة من التفكير تراءى له أن العكس هو الصحيح، إذ أنه هو الذي قد اعتاد عليها وعلى مواقيتها.
كانت بعض النعاج تماطل بالاستيقاظ، فكان يوقظها واحدة إثر أخرى بعصاه، منادياً كل نعجة منها باسمها، فقد كان مقتنعاً دائماً بمقدرة النعاج على فهم ما يقول، وكان يقرأ لها مقاطع من بعض الكتب، أو يتحدث إليها عن عزلة أو سرور راع، بحياته في الريف، ويفسر لها آخر المستجدات التي قد رآها في المدن التي اعتاد أن يمر بها
.
مع ذلك منذ قبل يوم أمس، لم يكن لديه عملياً، موضوع محادثة آخر سوى تلك الشابة التي تسكن في المدينة التي سيصل إليها بعد أربعة أيام، لم يكن قد زارها إلا لمرة واحدة في العام الفائت.
كان التاجر يملك متجراً للقماش، وكان يحبذ أن يجز صوف أغنامه على مرأى منه، كي يتحاشى الوقوع ضحية للغش، لقد قاد الراعي قطيعه إليه لأن أحد أصدقائه قد دلّه على المتجر.
× × ×
- أنا بحاجة لأن أبيع قليلاً من الصوف ـ قال للتاجر.
كان المتجر يغص بالزبائن، لذا فقد طلب التاجر من الراعي الانتظار حتى المساء، فذهب ليجلس على رصيف المتجر وأخرج من حقيبته كتاباً.
- لم أكن أعلم أن بإمكان الرعاة قراءة الكتب.
قال صوت امرأة كانت بجانبه، كانت هذه الشابة تمثل نموذجاً لنساء منطقة الأندلس بشعرها الأسود المسدول، وعينيها اللتين تذكران نوعاً ما بالفاتحين العرب القدماء.
- ذلك لأن النعاج تعلم أشياء أكثر مما هو في الكتب ـ أجاب الراعي الشاب.
بقيا يثرثران أكثر من ساعتين، هي أخبرته بأنها ابنة التاجر، وتحدثت عن الحياة في القرية، وعن رتابة الأيام فيها، والراعي حدثها عن الأندلس، وعن آخر المستجدات التي رآها في المدن التي مرّ فيها.
كان سعيداً لأنه لم يكن مجبراً على التحدث مع أغنامه دائماً.
- كيف تعلمت القراءة؟ سألت الشابة لتوها.
- كسائر الناس، في المدرسة.
- لكن، وربما أنك تعرف القراءة، لماذا لم تصبح إلا مجرد راعٍ؟
وارب الراعي كي لا يرد على هذا السؤال، لأنه كان متأكداً من أن الفتاة لن تفهمه.
تابع رواية سير ترحاله، وعيناها العربيتان الصغيرتان تحملقان ثم تنغلقان بفعل الإنذهال والمفاجأة.
كان يشعر أن الوقت يمر سريعاً، وتمنى لهذا اليوم ألا ينتهي، ولوالد الفتاة أن يبقى مشغولاً لزمن أطول، وأن يطلب منه الانتظار ثلاثة أيام.
وانتابه إحساس لم يكن قد ألم به من قبل أبداً: إنه الرغبة في الاستقرار في مدينة بالذات مع الشابة ذات الشعر الأسود، فلن تكون الأيام رتيبة متشابهة، لكن التاجر، ظهر أخيرا، فطلب منه أن يجز له صوف أربع نعاج، دفع إليه التاجر ثمن الصوف ودعاه إلى المجيء في السنة القادمة